القصور الثاني: ضعف التفكير بمعنى أن الطلاب لا يستطيعون التفكير في الذي يعرفونه ولا يستطيع الواحد منهم اصطحاب الذي يعرفه عندما يفكر وبالتالي الاستخدام النشط لهذا الذي يعرفونه( حل المشكلات-الاستدلال والاستنتاج-وضع الخطط الخ)فما الممارسات التي يقوم بها الطلاب وتدل على قيامهم بهذه الأنواع من التفكير؟ويظهر هذا في القراءة والكتابة ففي القراءة نجد ان الطلاب بجيبون على أسئلة المعلم المباشرة بعد قراءة نص أو مقال أو موضوع ما "ويبدو الطلاب راضين بتفسيراتهم المبدئية لما قرأوا وتظهر حيرتهم إذا ُطلب منهم شرحٌ أو الدفاعُ عن وجهة نظرهم ونتيجة لهذا فإن استجاباتهم لعناصر تقييم تقتضي شرحا لمعايير وتحليلا لنص أو دفاع عن حكم أو وجهة نظر ، بدت- الاستجابات - مخيبة للآمال.فقلة من الطلاب يستطيع تقديم أكثر من استجابة مزيفة لمهمات كهذه وحتى الاستجابات الأفضل لم تظهر إلا ضعفا في مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي" وهذا أيضا واضح في مواضيع الإنشاء وغيرها في المدارس وفي الحقول المعرفية المختلفة أو المواد الدراسية المختلفة ( ونلحظ أن المسابقات تعمل على تكريس هذا الواقع الذهني والفكري ) والأسباب؟؟؟؟؟؟؟؟ الأسباب هي نظريات اقتنع الناس بها: 1-التعلم عبارة عن تجميع حقائق ومعلومات ومهارات وهذا كما ترون يخالف ما ذكرناه من ان التعلم قائم على التفكير فتجد ان المدارس تهتم بتعليم الطلاب مهارات القراءة والكتابة إلا أن محبة القراءة والكتابة تخبو في أنفسهم وتجد أن المدارس قد تتحدث عن بعض القيم كالحوار مثلا إلا أنهم لا يمارسونها مع الطلاب ولا يتسنى للطلاب ممارستها مع بعضهم وتتحدث المدارس عن المعرفة إلا أن الطالبة لا تتاح لها فرصة تحصيل خبرات تمكنها من البناء المعرفي الذي يؤهلها بعد ذلك لفهم الأمور واصدار الأحكام وتبني وجهات نظر في قضايا مختلفة( والطفل في البيت لا يُسمح له بذلك فالكل يسارع إلى تخطأته إذا أخطأ وتسخيفه إذا لم يقل ما يريدون والإجابة بالنيابة عنه وإهمال أسئلته وإعطائه لعبا ثم توجيهه في كيف ينبغي أن يلعبها الخ) كما أن المدارس تقدم العالم ضيقا وبسيطا ومنظما ولا تقدمه كما هو في الواقع واسعا ومعقدا وغير منتظم واقصد بالعالم حياة الناس والتعايش معهم والواقع المعيشي خارج أسوار المدرسة وبعيدا عن مثاليات المعلم الذي هو نفسه لا يؤمن بها ولا يستطيع أن يعيش وفقها. كم من الوقت يقضيه المعلم مع طلابه في نقاشات جادة؟ وكم من الوقت يقضيه الطلابُ في الإجابة على أسئلة مباشرة تستدعي معلومات حفظوها ؟(ولا بد أن تكون الإجابة أحيانا نصية لا تخرج عن إجابة الكتاب بحال) كم من الوقت يقضيه المعلم مع طلابه في اكتشاف أمور جديدة وفي رفع السقف المعرفي بالتالي للطلاب ودفعهم للتفكير الحر الذي لا يخاف الوصول إلى نتائج جديدة قد لا يعرفها المعلم ولم يعد لها الطلابُ أنفسهم؟ كم من الوقت يقضيه الطلاب في طرح أسئلة على المعلم وعلى زملائهم تفتح أبوابا مغلقة وتحرر من أوهام وتتيح فرص النظر إلى المواضيع من وجهات نظر جديدة وتستدعي المجهول ليصبح معلوما أو ليصبح الطالب مستعدا لخوض غماره والمجازفة لفهمه وتحويله من "غول " مخيف إلى حيوان مستأنس؟ وكم من الوقت يمضيه الطلاب مستخدمين افعال "التفكير" مثل: افترض- اشرح- اسأل- يبدو- يحير- يحلل الخ؟؟؟؟؟بل كم من الوقت أو بجملة أخرى كم مرة يستخدم المعلم هذه الأفعال؟؟؟ وهل المعلم الناجح هو الذي يتظاهر –وقد يعتقد ذلك- بأنه يعرف كل شيء؟؟؟ لا شك أن وضع التعليم اليوم يتيح للمعلم هذه التمثيلية والخداع لإنه يحاضر الطلاب ثم يسأل أسئلة مباشرة أو غير مباشرة يعرف إجاباتها لأنه يصوغها. والاختبارات اليوم تكرس الذهنية المتكلسة الصدأة.وهنا سأنقل ما نقلته من قبل من كتاب "رعب السؤال" لنخله وهبه: " فحلّ في الأذهان مفهومُ النجاح للجميع بدل التعلم للجميع وبما أن النجاح ينبغي أن يستند، شكليا على الأقل، على علامات شرعية فقد عمدت الأنظمة التعليمية إلى تعهير الأسئلة بعد تفتيتها من أجل ضمان علامات ظاهرية لجميع الطلبة....."( يقصد بتعهير الأسئلة كما ذكر في الهامش:استبدال الأسئلة التي تتطلب مهارات عقلية عليا بأسئلة الاختيار من متعدد وملء الفراغات الخ التي لا تحتاج إلا إلى حفظ
ومن الأسباب: 2-نظرية أن القدرات مقدمة على الجهود وأن النجاح في التعلم يعتمد على القدرة أكثر من الجهد بمعنى انك لو سألت يابانيا كما يقول المؤلف عن سبب عدم تعلم ابنه الرياضيات بنجاح فسيقول :لأنه لا يبذل جهدا كافيا أما الأمريكي فجوابه:هذه قدراته فلا يستطيع تعلم الرياضيات. القدرة أم الجهد؟ هل يمكن للطالب التفوق في موضوع يراه يتجاوز قدراته بجهد تمت" دغدغته" عبر أبواب مختلفة فألهبت حافزا لديه كان يظن أنه غير موجود لعدم قدرته- الوراثية ربما حسب ظنه- على فهم هذا الموضوع؟ يقول المؤلف:" بعض الناس يأخذ مدة أطول لتعلم أمور معينة. ومع ذلك فلو نظمنا تعليمنا بحيث يُعطى من يريد وقتا أطول الفرصة والحافز لقضاء مدة أطول ، فإنهم سيحققون أكثر" وأحيانا أتخيل أنا طالبا في فصل تُقدم له المادة كالجغرافيا مثلا أو الرياضيات من قبل معلم معين له أسلوبه في تقديم المادة الذي لا يناسب الطالب ولا يحفزه للتعلم والانتباه فهنا قد نحكم على الطالب بأنه مثلا لا يجيد هذه المادة لأنها لا تناسب قدراته فماذا لو نُقل الطالب إلى معلم آخر يشرح الموضوع بشكل مختلف ويستعين بأفلام وثائقية وسبل عرض مختلفة ويشرك الطلاب في التعلم فيعمل مع الطلاب ويدخل إلى الرياضيات من بوابات أخرى في أدمغتهم كالبوابات الموسيقية والصورية والبدنية (نظرية الذكاء المتعدد) ، كيف سيكون حال الطالب نفسه؟؟؟؟ بل ماذا لو أن التعليم والتعلم يتم في أجواء أقرب للواقع كالمتاحف التعليمية بمشاريع حقيقية يقدمها الطلاب ، ماذا سيكون الحال؟ وأطرح سؤالا آخر: هل إخفاق الطالب في الرياضيات مثلا المقررة في المدرسة يعني أنه لا يفهم أو لا يمكن أن يفهم الرياضيات كحقل معرفي خارج أسوار المدرسة؟؟؟ وذكر المؤلف بعد ذلك ما يُسمى ب "أثر روسنثال"نسبة لروبرت روسنثال الذي قام في الستينات من القرن العشرين بتجربة في سان فرانسيسكو. قفد أعلم بعض المعلمين بأن طلابا معينين قد حصلوا على تقديرات عالية في اختبار الذكاء تفوق أقرانهم. ولم يعلمهم بأنه اختار هؤلاء الطلاب عشوائيا . وفي آخر العام الدراسي قارن روسنثال بين أداء من وُصفوا بالذكاء العالي ومن لم يوصفوا بذلك فوجد أن أداء الفريق الأول كان أفضل. لماذا؟يقول المؤلف:" مهما كانت الأسباب،فإن إيمان المعلم بالقدرة تحول إلى تعلم أفضل لهؤلاء الطلاب (الذين وُصفوا بالذكاء العالي). إلا أنهم لم يكونوا أقدرَ من الآخرين بل كان المُتوقع منهم أكبر]"
|